بحث هذه المدونة الإلكترونية

25‏/7‏/2012

رساله الوداع


رساله الوداع لجابرييل جارسيا ماركيز الى محبيه فى العالم
لا تنتظر أكثر 
بقلم غابرييل غارسيا ماركيز 

لو شاء الله أن ينسى أنني دمية، وأن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قوايربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتماًسأفكر في كل ما سأقولهسأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيهسأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النورسوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نياملو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضاًسأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق. للطفـل سـوف أعطي الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلّم التحليق وحدهوللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان
لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه. تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرّة الأولى فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبدتعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوفتعلمت منكم أشياء كثيرةلكن، قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضب في حقيبتي أكون أودع الحياةقل دائماً ما تشعر به، وافعل ما تفكّر فيهلو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعيّ ولتضرعت إلى الله أن يجعلني حارساً لروحكلو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها ، لقلت ” أحبك” ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلكهناك دوماً يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبداًلأن الغد ليس مضموناً لا للشاب ولا للمسن
ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرةحافظ بقربك على مَنْ تحب، إهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثلأفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفهالن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها. وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك“.